هل التقينا من قبل؟ 💜
هل التقينا من قبل؟
بعد مضي سنتين على فراقنا، وانشغال كلٍ منا بحياته الخاصة، قُدِّر لنا أن نلتقي مجدداً في صدفةٍ عجيبة، كنتُ انتظر الحافلة التي ستُقلني إلى الجامعة في إحدى المدن الاسترالية، حيث أكمل رسالة الماجستير، وصلت الحافلة أخيراً، صعدتُ إلى الحافلة وحييتُ السائق الغائص في مقعده بابتسامةٍ مشرقة، ثم ولجتُ أبحثُ عن مقعدٍ فارغ، جميع المقاعد شبه ممتلئة بطلاب المدارس والعاملين البسطاء وطلاب الجامعات من مختلف الجنسيات، أخيراً وجدتُ مقعداً شاغراً ولكن في الجانب الآخر كان يجلس شابٌ هُيأ لي بأنه طالبٌ جامعي، فجلستُ بجانبه وأنا أحتضن كتبي وملزماتي، قلتُ مرحبةً:
- مرحباً، كيف الحال؟
- أهلاً، بخير .. (ثم التفتنا معاً بذهول لبعضنا البعض)
- عذراً، ولكن هل التقينا من قبل؟ (قلتُ ممازحةً والصدمة تعلو صوتي)
- أعتقد ذلك! (قال بابتسامةٍ ودودة)
نظرتُ إلى كتبي وأنا مُحرجة وقلبي ينبض بشدة، فلا زالت ابتسامته جميلة كما عهدتها، أو أنني لا زلتُ أراها كذلك، أحتضنتُ كتبي بتوتر، وأحسستُ بحرارةٍ تلفحُ خديَّ، وتململتُ قليلاً في مقعدي..
..
أُكاد أجزم أنه كان يراقب كل حركاتي وأحس بالحرج، فقال لي:
- إذا كنتِ غير مرتاحة لجلوسي بجانبكِ سأغير مقعدي..!
- لا لا.. (قلتُ متسرعة)
- إذاً..؟ (تنفس بارتياح) أرى بأنكِ تكملين تعليمكِ في نفس المدينة التي أكمل بها تعليمي، بل ونفس الجامعة، يا لها من صدفةٍ جميلة! (ثم ابتسم وعينيه تشعان حيوية)
- أجل، يا لها من صدفة! إذاً ما جديدك؟
- لا جديد فيُذكر، ولا قديم فيُعاد! أنا كما عهدتني، لم يطرأ أمرٌ جديد في حياتي، فقط ما ترينه أمامكِ الآن، أكمل رسالة الماجستير في مجال تخصصي..
- جميل جداً.. أتمنى لك التوفيق..
- وأنتِ؟ (قال بعد تردد)
- وأنا كذلك، لم يطرأ شيءٌ جديدٌ في حياتي منذ آخر مرةٍ التقينا فيها..
- وما هي خططكِ القادمة؟
- إني أسعى للسمو بذاتي، وتطوير مهاراتي، و...
- أعني في حياتكِ الشخصية؟ (قاطعني قائلاً)
- اممم.. حتماً لا أدري.. (أُسقط في يدي)
- هل تعلمين أمراً؟ لقد كنتُ أُكابر دائماً وأقول بأنني لن التفت للخلف ولن أشتاق لأيامنا الخاليه.. (تنهد) ولكن لو تعلمين لِمَ أُكمل تعليمي الآن، ليس لغرضٍ وظيفي أو تطوير في المهارات، بل هرباً من واقعي، ومحاولةً بائسة للنسيان.. (نظر نحو النافذة نظرةً حائرة بلا هدف، ثم نظر نحوي وعلى وجهه شبح ابتسامة) ولكن يبدو بأن القدر يسخر مني الآن، إذ أحضركِ بكاملكِ وأجلسكِ بنفس المقعد الذي أجلس عليه.. (ثم أطلق ضحكةً مُرة)
- وهل تظن بأن الأمر كان سهلاً علي؟ لقد كلفني شوقي إليكَ عشرات الرسائل والمقالات المضمخة بمشاعر الحزن والكآبة، فقد رحلتَ بصمت وكان حضوركَ باهتاً لا لون له، هل تظن بأنني سأظل أبكي عليك طوال عمري؟ لا يا حبيبي! فزمن البكاء قد ولّى، لقد استنزفتُ الكثير من طاقتي لأبقيكَ بجانبي، وكل ما كنتَ تجيدهُ هو امتصاص هذه الطاقة والسيطرة على مشاعري بكل أنانية، وكان نفث الإحباط في نفسي وكسر الخواطر ديدنك، فاخترتُ أن أحب نفسي أكثر، وأن أبتعد عنك بهدوء، ولو تعلم كم من طارقٍ لأبواب قلبي قد رفضته بسبب إدماني على حبكَ، والذي لا زلتُ أعاني من آثاره الانسحابية..
- أرجوكِ اغفري لي، لقد أخطأتُ في حقكِ، وإني نادمٌ على ذلك، هلاّ فتحنا صفحةً جديدة؟! (وبان على صوته التأثر)
- أما الغفران فقد غفرت، وأما الوُد فلن يعود..
..
توقفت الحافلة في المحطة التالية، لملمتُ أدواتي وترجلتُ منها، تاركةً خلفي بقايا حبٍ لم يُكتب له النجاة..
..
ميثاء الراشدي
٢١/٢/٢٠١٩
انتي رائعه جدا بصياغة عباراتك
ردحذففعلا ينبغي علينا البحث عن ذواتنا وترك الماضي والمضي قدما بحياتنا