أنت مثقف ولا يليق بك ذلك!

أنت مثقف ولا يليق بك ذلك!

كم أمقتُ هذه العبارةتستفزني جداً حين يتفوه بها أقرب الناس إليَّ، تكسر جسور الحوار السليم بيننا، وتُثير فيني غضباً عارماً، تؤذيني كثيراً، وتُشعل النيران في جوفي..
..
أودُ لو أطرح عليكم سؤالاً: من هو المُثقف بنظركم؟ هل هو ذلك الذي يقرأ العديد من الكتب بلا هوادة وكلل؟بينما لو سألته عن مدى استفادته منها لرفع كتفيه دلالةً على عدم الفهم، وعدم تذكُر المقروء..
أما عن نفسي فلا أُعِدُني من المثقفين، وإنما سابحةٌ في بحر العلم الغزير، فقيرةٌ من الثقافة وما يدعو إليها، ففي كل يومٍ أكتشف شيئاً جديداً يتبينُ لي مدى جهلي بما حولي، فمن هم حتى يحكموا على كل من قرأ عدداً معيناً من الكُتب بأنه مثقف؟!
..
أعودُ مجدداً لمحور حديثي،ما الذي لا يليقُ "بالمثقف" ويليق على من دونه؟فالمثقف على حسب قولكم إنسانٌ تحكمه المشاعر والضغوطات النفسية، وله تجاربهُ الخاصة في الحياة، ومعتقداته الثابتة التي استقاها عن طريق التربية الأسرية أو التلقين في المدارس، فكل هذه العوامل مهمةٌ جداً في تشكيل شخصية الفرد وكيفية تعامله مع المواقف، فأرجوكم بأن لا تحصروا للمثقفين تصرفاتٍ مثالية هم أبعد ما يكون عنها، فهم بشر  يصيبون ويخطأون..
..
قال لي أحدهم حين احتدَّ الجدال بيننا ولم يُوافق رأيي هواهُ: "خسارةٌ عليكِ الكتب التي تقرأينها." وقد أصابتني هذه الجملة في مقتل، ليتهُ أدرك بأنه قد غرز سهماً مسموماً في سويداء القلب بتلك العبارة، تُرى هل تتوقعون ممن يقرأ الكُتب أن تُوافق آراؤهُ هواكم؟ وأن يتصرف حسب توقعاتكم المحدودة؟شخصٌ يلتهم الكُتب التهاماً هليُتوقع ما هي ردة فعله التالية؟وما يكون رده على سؤالٍ عابرٍ في نظركم؟قطعاً لا، فالقارئ لا يعيش حياةً واحدة كما تعلمون، وقد يتقمص أدواراً غير دوره الأساسي في الحياة..
..
قد تجدهُ تارةً هائماً على وجهه يكسوهُ الأسى، وسيُخيل إليك بأنه إنسانٌ شديد الهم، بينما هو قد انتهى مؤخراً من قراءة إحدى روايات "دوستويفسكي"  الكئيبة، وتارةً تجدهُ منشرح البال، مشرق الوجه، يكادُ البِشرُ يتدفق من عينيه، فتحسبُ أنه عاشقٌ متيم، بينما هو قد انتهى لتوه من قراءة إحدى الروايات الرومانسية، أو كتُب تنمية الذات التي تبعث روح التفاؤل والأمل في نفس القارئ، وقِس على ذلك العديد من المواقف والأمثلة، فكتابٌ واحد قد يؤثر على تفكيره، وقد يقلب الموازين لديه، فما بالكُ بعشرات الكُتب التي يلتهمها بشهيةٍ مفتوحة كلما سنحت له الفرصة بذلك؟
..
لذلك أرجوك بأن لاتخلط بين شخصيتي وثقافتي، واعلم بأنها أمورٌ لا تعنيكَ أبداً فلا تحاول فتح بابٍ لن يُعجبكَ ما ستلقاهُ خلفه، ولا تتفاجأ حين ترى لي وجهاً آخر لم تعهدهُ من قبل، لأنني لن أُثير إعجابكَ حينها..
..
تمت
..
ميثاء الراشدي
١٢/٤/٢٠١٩

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وسيلة وليست غاية! 💕

من أنت في الحُب؟ ♥️

علمني كيف أنسى! 💔