سنحيا بعد كُربتنا ربيعاً! 🏞🌴💚
سنحيا بعد كُربتنا ربيعاً!
كان صباحاً رائعاً تزينت سماؤه بالغيوم المحملة بالمطر، وتغلغلت نسماته الباردة في أرواحنا الصائمة، فأثلجت الصدور وتفاءلت الأنفس بيومٍ ماطرٍ يحمل في طياته الخيرات والمسرات، كان هذا صباح يوم السبت في خالديتنا المكلومة الموافق الثامن عشر من شهر مايو من عام ٢٠١٩، لم تدري أمنا الحنون بأنها على موعدٍ مع أوقاتٍ عصيبة، كانت تنشر الدفئ والأمان في قلوب أبناءها، وتهيأهم لاستقبال أوقاتٍ رائعة الجمال بصحبة الأمطار التي طال انتظارهم لها شهوراً مديدة..
..
سار اليوم بشكلٍ طبيعي، تجمعت غيماتٌ واجمة بجانب بعضها وأخذت تسحُ دموعها الباردة على وجه أمنا المعطاء، والتي تهللت أساريرها فرحاً وهي تستقبل باكورة تباشير منخفضٍ سُمي بالغفران، وهي تدعو بأن تكون هذه الدموع المُثقلة بالخير غفراناً لما مضى منشحٍ وجفاف، لم تدري بأن ما كان ينتظرها أدهى وأمرّ، وبأن الليل يُخفي في ثناياه ما لا تُحمد عُقباه..
..
دقت الساعة الرابعة عصراً كجرس إنذارٍ مزعج، وهي تخبئ في طياتها كارثةً حقيقية، حيث ما عاد النهار نهاراً، واختفى وجه أمنا الحبيبة خلف أستار الظلام، دقائق معدودة كانت تفصل بيننا وبين الموت، كنا نسابق الزمن ومياه الأودية الثقيلة حتى نصل لبر الأمان، جرفت الفيضانات الغاضبة كل ما وقع تحت أيديها، دمدمت السحب السوداء بهديرٍ لم يُسمع لها من قبل، وانهمرت المياه العظيمة كشلالٍ فتيٍّ تدفق بكل قوته وعنفوانه، سالباً كل ما وقف أمامه من أرواحٍ وممتلكات، مخلِّفاً وراءه دماراً ساحقاً، وحافراً أثره كثقبٍ عميق في سويداء القلب، وارتقت أرواحنا حناجرنا وهي تسأل الله السلامة، وانسكبت دموعٌ وجلة على مُحيانا ونحن نتضرع لله بأن لا تكون هذه نقمةٌ ولا محنة، وبأن يلطف بعباده المسلمين في شهره الكريم..
..
مضت ساعةٌ كاملة كالدهر ونحن ننتظر المصير المحتوم، فإما حياةٌ وإما ممات، وأبواب السماء مشرعةً على مصراعيها وهي تجود بما لديها من مياهٍ غزيرة، انسكبت مرةً واحدة كانسكاب الماء من عِلٍ بدون سابق إنذار، وشخُصت العيون خائفةً تترقب ما ستؤول إليه الأمور، ونياط القلوب تتقطع قهراً وألماً لما فقدت، ورهبةً وأملاً لما ستُلاقيه..
..
وإنني أعتبُ على التقصير في جانب نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في وادينا، وأعتب على مدى جهل بعض الناس الذين يتشدقون بالمواعظ والحِكم وهم بعيدون كل البعد عن دائرة الحدث، صحيحٌ أن ما حدث في خالديتنا قضاءٌ وقدر، وهذا ما كتبه الله علينا، ولكن ألا يحق لنا أن نحزن؟ أولسنا بشراً تحكمنا المشاعر والأحاسيس؟ لقد كان منظراً مهيباً فكيف لا تتأثر الأنفس؟ وكيف لا تخشعُ رهبةً وخوفاً لجبار السمٰوات والأرض؟
..
قل لي كيف ستشعر حينما تبتلع المياه عائلتك كاملةً أمام ناظريك وأنت لا حولٌ لك ولا قوة؟ كيف ستشعر حينما ترى فلذة كبدك وهي تتخبط في المياه الغاضبة تلوح بها يمنةً ويسرة كلعبةٍ خفيفة في يد طفلٍ طائش ولسان حالك يقول لا حول ولا قوة إلا بالله؟ كيف ستشعر حينما ترى بيتك ومأواك تغمره المياه من كل حدبٍ وصوب وأنت لا تملك من الأمر شيئاً؟ كيف ستشعر حينما تعوم مركبتك أمام ناظريك في أحضان المياه كقطعة فليّن ويديك مربوطتين بلا حيلة؟ كيف ستشعر حينما تنقطع بك السُبل، وتعيش وعائلتك حالةً من البؤس والحاجة والعوز لأيدي المحسنين؟ عن أي قهرٍ وأي كسرة نفس وأي حرقةٍ في الفؤاد أتحدث عندما أسمع من لا ناقة له ولا جمل في الأمر وهو يُوجه أصابع اللوم نحوي لأني اخترتُ العيش في بلدٍ تحيطهُ الجبال؟ هل كُنا نعلم الغيب حتى تقدح بكلامك الفارغ هذا؟ فإن لم تكن أهلاً لمد يد العون هلاَّ أكرمتنا بالسكوت؟ ولتمضي لشأنك الخاص، فخالديتنا الحبيبة ستنهض على أكتاف أبناءها المخلصين وكل من طُبع قلبه على معاني الكرم والجود..
..
قل لي كيف ستشعر حينما تبتلع المياه عائلتك كاملةً أمام ناظريك وأنت لا حولٌ لك ولا قوة؟ كيف ستشعر حينما ترى فلذة كبدك وهي تتخبط في المياه الغاضبة تلوح بها يمنةً ويسرة كلعبةٍ خفيفة في يد طفلٍ طائش ولسان حالك يقول لا حول ولا قوة إلا بالله؟ كيف ستشعر حينما ترى بيتك ومأواك تغمره المياه من كل حدبٍ وصوب وأنت لا تملك من الأمر شيئاً؟ كيف ستشعر حينما تعوم مركبتك أمام ناظريك في أحضان المياه كقطعة فليّن ويديك مربوطتين بلا حيلة؟ كيف ستشعر حينما تنقطع بك السُبل، وتعيش وعائلتك حالةً من البؤس والحاجة والعوز لأيدي المحسنين؟ عن أي قهرٍ وأي كسرة نفس وأي حرقةٍ في الفؤاد أتحدث عندما أسمع من لا ناقة له ولا جمل في الأمر وهو يُوجه أصابع اللوم نحوي لأني اخترتُ العيش في بلدٍ تحيطهُ الجبال؟ هل كُنا نعلم الغيب حتى تقدح بكلامك الفارغ هذا؟ فإن لم تكن أهلاً لمد يد العون هلاَّ أكرمتنا بالسكوت؟ ولتمضي لشأنك الخاص، فخالديتنا الحبيبة ستنهض على أكتاف أبناءها المخلصين وكل من طُبع قلبه على معاني الكرم والجود..
..
وختاماً أقول:
شكراً عظيمة لمن هفت قلوبهم نحونا عندما كنا نعيش حالةً من الرُعب النفسي، شكراً لكل يدٍ امتدت إلينا لتشُد من عضدنا وتُربِّت على أكتافنا المُنهكة، وشكراً لكل كلمة مواساة واطمئنان أتتنا من قريبٍ أو بعيد.. نحنُ بخير ما دُمنا تحت رعاية الله..
..
ستخضرُّ الدّروب إذا رضينا
وينبتُ في يبابِ العمرِ زهرا
ونحيا بعد كربتنا ربيعًا..
كأنّا لم نذُق بالأمسِ مُرّا
..
ميثاء الراشدي
٢٢/٥/٢٠١٩
ما شاء الله
ردحذفكلام جميل يدل على خيال واسع
انت كاتبه كبيرة من الان اقولها
واتمنى لك مستقبل باهر
ان شاء الله
تبارك ماشاء الله فعلا مبدعه بارك الله فيك عزيزتي
ردحذفستحيون ربيعا أخضرا وكأنكم لم تذقوا مرا من قبل
عمان كلها معكم ..جبرا الله قلوبكم ورحم الله موتاكم وأسعد الله خواطركم♥️🌺