عندما تبكي الكتب! 📚💔



أصدقائي القراء،، دعوني أخبركم عن مكتبتي الخاصة، ذلك الملاذ الآمن الذي لطالما احتضنني بين جنباته، ولطالما هربتُ من الحياةِ إليه عليّألتمسُ من فيافيه الوارفة صنوفٌ من الحنانِ والسلوان، ففي تلك الزاوية القصية جلستُ لساعاتٍ طوال وأنا غارقٌ في ديوانٍ شعري، وعلىهذا الرف كانت تستريحُ موسوعاتٌ علمية وتاريخية نادرة، وفي تلك الزاوية من المكتبة وضعتُ أول كتابٍ حظيتُ فيه بتوقيعٍ من كاتبي المُفضل،وعلى ذلك الرف وضعتُ أول روايةٍ فتنتني بلغتها الساحرة وبأحداثها المشوقة وعاهدتُ نفسي بعدها بأن أقتني جميع روايات ذلك الكاتب الفذ،وفي هذا الرف العلوي وهو المُفضل لديّ صففتُ جميع الكتب التي وصلتني كهدية من صديقٍ وزميلٍ ورفيق، أما ذلك الرفُ السفلي فقد امتلئعن آخره بكتبٍ جديدة أضفتها مؤخرًا للمكتبة بجانب كتبٍ اقتنيتها منذ زمن ولم يحن وقت قراءتها بعد..

..

آهٍ كم يؤلمني أن أخبركم بأن كل ما كتبتُه أعلاه هو وصفٌ لآخر صورةٍ التقطتها لمكتبتي قبل أن تدهمها المياه من كلِ حدبٍ وصوب، لقد فقدتُكنزي الثمين الذي ما فتئتُ أجمعه منذ أن تعلق قلبي بالكتب، وأصبح ملاذي باردًا تذروه الرياح، حتى الشخوص في الروايات كانت ترتعدُهلعًا حين داهمتها الفيضانات، ولم تجد ملجأً، أخرجت رؤسها تستنجد باكيةً، والماء يقطِّع أوصال أوطانها إربًا إربًا، ويغيّر معالم الحكاية،ويطمس معاني اللغة التي صنعتها، وكأنني أستحضر تلك الواقعة المشؤومة حينما قام التتار بإلقاء الكتب النادرة والمجلدات الضخمة فينهر دجلة في العراق، حتى تحول لون النهر للأسود من مداد الحبر، لا تتعجبوا مني حينما أقول لكم بأنني شعرتُ بنفس الشعور حينما رأيتُالمياه تلتهم الكتب الواحد تلو الآخر غير آبهةٍ بمشاعري وقلبي الذي كان يقفزُ هلعًا كلما سقط كتاب، كانت كتبي تبكي حبرًا وهي تغوصعميقًا في الماء والوحل، في عهد التتار استطاع الجنود أن يعبروا فوق المجلدات بين ضفتي النهر، ولكن في حالتي لم يعبر فوقها سوى القهروالألم والضياع..

..

سالت دمعةٌ حارقة على طول وجنتي، ورسمتْ شارعًا رماديًا من الأسى والخذلان، اشتعلت النيران في داخلي، صدقوني لم تكن مياهالأمطار المنسكبة بغزارةٍ قادرةٌ على إطفاء الحرائق التي كنت تعتمل في صدري، تمنيتُ لو أنَّ ما رأيتُ كابوسٌ مزعجٌ وسينقشع في الصباحالباكر، أغمضتُ عينيّ على أمل أن أفتحهما على واقعٍ أفضل، ولكن الواقع كان من الفضاعة التي تغرس الألم في الحلق فيخنقك فلا تستطيع البكاء لتريح نفسك، ولا تستطيع الصراخ والعويل كما تفعل الأمهات حين يُفجعنَ بفقدانِ أعز الأبناء، شعرتُ بالبلادة والخواء يسريان في أوصالي، بقلة الحيلة وتشتت الذهن، اقتربتْ أختي لمواساتي فارتميتُ في حضنها باكيةً، كنتُ انتظر تلك اللحظة لأنفجر، بكت أختي لبكائي وزادت من احتضاني، كنتُ على شفى انهيارٍ عصبي ولكن رحمة الله واسعة، ولطفه بعبادهِ لا حد له، هدأتْ نبضاتُ قلبي رويدًا رويدًا ولم تزل عينيّ غائمتين من غزارة الدمع، استجمعتُ قواي وهمستُ بعجزٍ  وانكسارٍ يخالطهُ قليلٌ من الأمل: "غدًا أُعيد بنائكِ يا ملاذي الدافئ، وإنَّ غدًا لناظرهِ قريبُ"..

..

تمت

..

١٥/١٠/٢٠٢١

ميثاء الراشدية 

تعليقات

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. محاكاة رائعة لشخص فقد جزء منه، وتكوّنت لديه ذكريات عبارة عن صفحات مبللة، ومكتبة ودعته بخجل وقت الإعصار.
    مع صعوبة الموقف، يولد اليقين بغدٍ مشرق.
    ✍️ امتعتينا يا استاذة ميثاء

    ردحذف
  3. جميل جدا.
    سلمت اناملك عزيزتي ..💛

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وسيلة وليست غاية! 💕

من أنت في الحُب؟ ♥️

علمني كيف أنسى! 💔